المقامة الثالثة ^^^معاناة مغترب^^^

بسم الله الرحمن الرحيم

------------------------------------------------------------------------------------------------

المقامة الثالثة

معاناة مغترب

يا له من يوم صيفي قاتل,

كان الحر شديد جدا, وكانت الشمس تلفح رؤوس الجميع,

وكأن الناس تنقص رؤوسهم المثخنة بالأفكار, شمسا تزيد من الضغط النفسي على أدمغتهم المجهدة.

كان عيسى يغط في نوم عميق في "مربوعة" بيتهم تحت نسمات المكيف,

في معزل عن اللهيب الحارق في الخارج,

بينما كان فتحي أيضا في بيتهم يجلس على التلفاز لربما يجد شيئا جدير أن يتفرج عليه.

وكلاهما لا يدري ما سيفعله لاحقا, فالصيف هكذا دائما, فراغ في فراغ.

مع آذان العصر تقريبا, رن جرس منزل فتحي,

فقام راكضا إلى الباب على أمل أنه عيسى وقد وجد لهما شيء ما يفعلونه,

ولكنه أدرك في طريقه إلى الباب أنه ليس عيسى, فعيسى له طريقته الخاصة في الطرق على الباب.

فتح فتحي الباب, ولسوء حظه كان موسى ذو الدم الثقيل.

"خير يا فتوحة"

"مرحبا موسى .... تفضل" رد عليه فتحي بملل.

"لا لا مستعجل, أنا جاي نعزم فيك على عشاء عندي اليوم في الحوش, لازم تجي أنت وعويس ..."

"معش تقول عويس"

"عموما لازم تجوني, أصلا محمد ولد خالي مروح وعازمه علي عشاء, نبي نعرفه عليكم"

ثم أكمل بفخر وتكبر "إحميدة ولد خالي, إللي أمه هولندية, جاي من هولندا و..."

"باهي توا نجوا, توا نكلم عيسى وبعدها نشوف"

وعلى الرغم من كرهه لموسى إلا أنه كان سعيدا لأنه وجد شيئا ما يقوم به,

وكان متيقنا أن عيسى أيضا لن يمانع في الذهاب إلى موسى وابن خاله,

فمهما كان سيئا فلن يبلغ سوء موسى.

ذهب فتحي قاصدا منزل عيسى في ذلك الحر الرهيب, فحتى بعد العصر لاتزال الشمس حارقة في كبد السماء.

طرق الباب ليخرج عليه عيسى وكأنه قد انفجرت في وجهه قنبلة من آثار النوم العميق,

تكلم عيسى وهو لا يكاد يفتح عينيه "أوه فتحي! خش تفضل"

دخل فتحي إلى المربوعة ولاقت وجهه تلك النسمة الباردة

وذلك الشعور بالراحة الذي جعله يتمنى ألا يغادر هذا المكان إلى آخر النهار,

جلس فتحي ودخل عيسى بعد حين ومعه إبريق الشاي وقد بدا منظره أفضل مما كان عليه منذ قليل,

جلس عيسى وصب كوب شاي لفتحي وقال له وهو يناوله إياه:

"هاه؟ إيش عندك, فيه حاجة اليوم وإلا كيف كل يوم؟"

احتسى فتحي رشفة من الشاي وقال "فيه عشاء عند موسى, شن رأيك تعدي؟"

استفهم عيسى وقد صب لنفسه كوب شاي أيضا "غريبة كيف طلعت منه البخيل هذا؟ أنا لين نسيت حوشه من قلة ما يعزم فينا"

"لا أصلا اليوم جايه ولد خاله الهولندي, عرفته؟ أكيد عاد يبي يوري روحه كريم قدامه"

"من؟ ولد خاله؟"

"ولد خاله اللي أمه هولندية ... مش عنده خاله عايش في هولندا؟ هذا ولده"

"أول مره يجي فيها إلى ليبيا؟"

"لا من قبل يجي, لكن عمره ما جاء لحوش موسى, أصلا مايطولش في ليبيا, يجي شوية في الصيف بس"

"باهي موسى هو اللي عزمك وإلا عرفتها بروحك؟"

"لا كيف موسى عزمني وقال لي تعال أنت وعيسى"

"أكيدة قال عويس صح؟"

ضحك الإثنان سوية قليلا, وبدآ يغتابان موسى ويستهزآن على أسلوبه حتى لم يجدا ما يقولانه عنه,

ومع آذان المغرب ذهبا سوية إلى منزل موسى.

عند وصولهما فتح لهما موسى الباب واقتادهما إلى الداخل حيث كان هناك شاب أشقر الشعر نحيف القوام طويل القامة يبدو عليه الخجل,

كان جالسا وكان بجانبه أشرف (دلاعة) وعماد (فحمة) جالسان بجانب الفتى

وبدا كأنه يتعرض لاستجواب,

عندما سلم عيسى وفتحي على الفتى جلس الجميع وأكمل أشرف ما كان يقول:

"أنا قصدي أنتوا تشروا فيهن البضائع الدانماركية غادي؟"

فرد موسى بدل الفتي قائلا "يا أشرف غادي هولندا مش شور الدانمارك"

"لا بس أكيدة فيه بضاعة دانماركية عندهم غادي"

ثم أضاف وكأنه خبير اقتصادي "أوروبا مفتوحة على بعضها, تحسابهم زي العرب؟"

وهنا قاطعهم عماد والذي قال بحكمة –على غير عادته- "مافيش مشكلة إذا كان اشترى بضائع هولندية وإلا دانماركية شن المشكلة؟"

قال أشرف بحدة "كيف مافيش مشكلة؟ لازم تنصر نبيك يا حمار"

فقال عماد بلهجة مدافعة "ما فيها شيء يا راجل, مش ظروري أصلا المقاطعة والكلام الفاضي شن تبي تديرلهم الدانماركيين لما تقطع روحك بالشر؟؟"

ثم نظر إلى الشاب وربت على كتفه قائلا "ما تعدلش عليه اشري البضاعة اللي تبيها يا راجل"

وكأنه ظن أن الشاب سيوافقه لأنه يعيش في الغرب وليس لديه أي انتماء.

فتكلم الشاب محمد بلهجة ركيكة وكأنه يجاهد ليختار الكلمات الصحيحة

"لا كيف, حرام الكلام هذا, المفروض الواحد يخلي عنده موقف, هذولا أهانوا نبينا كنك أنت؟"

وهنا بدا على عماد وكأنه قد تلقى خبر موت والده, فسكت ولم يرد إطلاقا ولم يسمع له صوت لآخر السهرة.

غمز عيسى لفتحي وهمس في أذنه "شفت موسى كيف يدوي باحترام؟ -يا أشرف!- ما كان ديما يقوله دلاعة"

وهنا أكمل فتحي هامسا "وشفت فحمة كيف تزلط؟"

أكمل أشرف استجواب الفتى قائلا "باهي الهولنديين شن لغتهم؟ إنجليزي؟"

رد الفتى بتردده المعتاد "لا هم لغته هولندية, يعني عندهم لغة خاصة بهم مختلفة عن الإنجليزي"

"وتعرف تدوي بيها؟"

"أكيد, أصلا أنا مولود وعايش غادي"

وقاطع موسى الحديث ليقول بفخر وكأنه يتحدث عن نفسه "وأمه هولندية!"

فأكمل أشرف كلامه "باهي قول لنا أي حاجة بالهولندي"

"لا لا مش ضروري"

"غير هيا يا راجل, أي كلمة هيا ..." وقال موسى أيضا بشغف "هيا إحميدة أي كلمة هولندية هكي عالماشي"

لكن محمد رفض التحدث بالهولندية وهنا دخلوا على الخطة البديلة.

"باهي شن معناها كيف حالك بالهولندي؟" تساءل أشرف بخبث.

وعندما رفض طرح موسى اقتراح آخر "باهي شن معناها شكرا"

وفي وسط هذا التحقيق المريع أدرك عيسى أنه أخطأ بمجيئه إلى هنا,

لو أنه بقي في المنزل مع فتحي وشاهدوا بضعة أفلام لكان أفضل لهم, وهو الآن لا يفكر سوى في العشاء.

"باهي هذي آخر وحدة, شن معناها –فلوس- بالهولندي؟" سمع عيسى أشرف يقول للفتى وأدرك أنهم لا يزالون يستخلصون منه الاعترافات.

أخيرا أذعن الفتى وقال لهم معناها,

فعاد أشرف يكررها بينه وبين نفسه مرارا لكي لا ينساها.

ثم سمع عيسى طرقا على الباب وعلم أنه قد حان وقت العشاء,

فقام موسى وأحضر السفرة المليئة بأصناف الطعام, والذي يبدو أنه قد كلف أم موسى عناء كثيرا, ولكن لا يهم فابن أخيها لديها في المنزل.

وعند إحضاره للسفرة قال أشرف مبتسما لمحمد:

"زعمك تاكلوا كيفنا يا الهولنديين؟ وإلا عندكم طريقة مختلفة؟"

ثم ضحك وكأنه قد أطلق نكتة في غاية الطرافة وكالعادة لم يضحك معه أحد آخر.وفي أثناء العشاء,

لم يتوقف أشرف عن استجواب محمد عن كل شيء في هولندا, عن الحياة عن الجو وكل شيء.

وعندما رفع السفرة من أمامهم بعد أن أنهوا عشائهم وكان عيسى لا يكاد يكبح نفسه من ضرب أشرف,

قال أشرف وكأنه قد تذكر شيئا مهما لتوه:

"آه خطرها, الهولنديين كلهم صفر وشعرهم أشقر؟"

فتكلم فتحي وهو لا يكاد يمسك نفسه من الغضب أيضا "فكنا منهم الهولنديين, خلينا نحكوا على شيء آخر"

قال عيسى سائلا محمد "كم مرة جيت لليبيا؟"

فرد محمد "واجد, نجي كل صيف تقريبا"

فسأله فتحي "زعمك شن أسوأ موقف صارلك في ليبيا؟"

قال الفتى مبتسما وكأنه تذكرا شيئا طريفا "حاجات واجدة ...

مرة كنت مروح من وسط البلاد للحوش بروحي, فخذيت تاكسي, المهم ركبت وقلتله نبي الفويهات, قال لي وين بالظبط, وصفت له المكان.

وبعد ما ركبت تما يسال فيا ... تسكن غادي يا شاب؟ فقلت له نعم.

"وين حوشك, حذا صلاح المقرحي؟"

"ما نعرفش حد فيها المنطقة, عموما أنا نسكن حذا صيدلية"

"أوكي معناها حذا منعم الرطب؟"

"قلتلك ما نعرفش فيها حد المنطقة"

"كيف جديد غادي؟"

"آه جديد"

"وين كنت تسكن قبل؟"

"في الصابري"

-لأن عندي عيت جدي غادي, فكذبت عليه وخلاص, لأني ما نحبش نقول أني نعيش في هولندا. المهم قال لي السواق:-

"وين بالظبط في الصابري؟"

"شارع الخطوط"

"أوكي, ما لا تعرف سالم الدبة؟"

"لا لا"

"كيف يا راجل سالم الدبة, سالم الفيتوري متاع محطة الحافلات, معروف غادي في المنطقة, راه عنده خوته رافع وحمد, وعندهم واحد في عمرك اسماه عبدالله, يقولوا له

رونالدو؟ ماعرفتش؟"

"لا لا"

المهم الراجل هذا ما سيبنيش نين قلتله أني عايش في هولندا, وأنا ما نحبش نقولها لحد, لكنه اضطرني لهكي,

بعدها تما يسأل فيا "وين في هولندا؟" و "عندك لغة؟" وكلام زيه هكي,

نين وصلت وهو يسال فيا, والطريف أنه في النهاية قال لي "حتى أنا عندي عيال عمتي الأثنين في سويسرا"

مش عارف أنا شن دخلني كان هو عنده أقارب في سويسرا؟؟؟"

ضحك الجميع من قصته الطريفة وهنا بدأ محمد يحس بالتأقلم مع الشباب تدريجيا,

ولكن أشرف تدخل وقال "حتى أنا ركبت مرة مع واحد سكران في الليل, لف بيا شوارع بنغازي كلهن ..."

ولكن عندما لم يبد أحد اهتماما صمت أشرف أخيرا.

وفي نهاية الأمسية, سلم الجميع على محمد ومضى كل منهم إلى بيته,

عماد (فحمة) لا يزال صامتا منذ ذلك الموقف,

وأشرف لا يزال يتفوه بكلام ليس له معنى, ولم يتوقع عيسى أنه سيكره أحدا أكثر من موسى, ولكنه كره أشرف.

وعندما كانا يمشيان إلى منازلهما, بدأ عيسى و فتحي الحديث عن محمد,

قال عيسى "عليك المتكبر!"

"والله معاك حق, شن فيها كان أمه هولندية؟"

"حاجة والله كبيرة"

"وداير روحه ما يعرفش يحكي عربي كويس, وهو مكمل نص عمره في ليبيا"

"عليك كذب, مش عارف ليش الواحد منا لما يسافر يحساب روحه حاجة كبيرة"

"آهو, عشان الشعر الأصفر والعيون الخضر يحساب روحه تما أوروبي, خسارة ما جده اسماه إمراجع"

"فكنا منه يا راجل مالنا وماله نقرموا فيه"

"تجي تبات معاي الليلة؟"

"لا تعال بات معاي أنت اليوم"

"خلاص خلي كل واحد في حوشه, توا نمر عليك بكرا"

"راك تجيب عزومه كيف وجهك زي اللي اليوم"

"عدي ارقد يا راجل, مازال ورانا صيف كامل من الفراغ, شن يبي يكمله"

وذهب كل واحد منهم إلى منزله وهو يحس أنه قد ظلم ذلك الشاب المتواضع.

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

هذه نهاية المقامة الثالثة أرجو أن تعجبكم

المقامة الرابعة ^^^^^ الجامعة ^^^^^

شكراً لك على المقامات الرائعه والمميزه، واتمنى لك المزيد من التقدم والإبداع في هده المقامات.

أشكرك كل الشكر أختي لؤلؤة على كلماتك المشجعة

قتلي جدوده في الصابري
بس معرفتهمش
لا رونالدو لا شي
هذا يكذب
منور سنايب خيو
سلام

إبداع رسمي يا سنايب

ليش ما تنشره في صحف بنغازي ؟؟

نحكي جديات

مشكورة لوفر على مرورك

و مشكورة على كلماتك المشجعة

اقتباس :

ليش ما تنشره في صحف بنغازي ؟؟

لالا هذين حصري للمنتدى بس

بصدق مهما قلت من كلام مش حنعطيك حقك

حتى كلمة مبدع شويه

وانا مع لوفر
في نشر المقامات في صحيفة بنغازي

اقتباس :

بصدق مهما قلت من كلام مش حنعطيك حقك

حتى كلمة مبدع شويه

مشكورة والله على كلماتك

وأنت هكي كفيتي ووفيتي

وبالنسبة لموضوع نشرهن في الجريدة

خليني توا ننشرهن هن الخمسة على المنتدى وبعدين ساهل

مشكورة مرة اخرى

شكرا لك اخى مقامات سمحة وخطيرة
خليك على قورينا احسن
امتاع الجامعة خلى فتحى وعيسى يقروا فى تقنية المعلومات

I CaN't wAit TilL YoU wRite ThE NexT oNe تصفيق

مشكورة أخت flower على المرور

اقتباس :

امتاع الجامعة خلى فتحى وعيسى يقروا فى تقنية المعلومات

آسف جدا ولكن خلاص أنا كاتبهن هن الخمسة ودرت عيسى يقرا في الهندسة