سحر المشاعر

سحر المشاعر


يُحكى أن أحد الأطفال كان لديه سلحفاة يطعمها ويلعب معها..

وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة جاء الطفل إلى سلحفاته العزيزة فوجدها قد دخلت في غلافها الصلب طلبا للدفء، فحاول أن يخرجها فأبت..

ضربها بالعصا فلم تأبه به.. صرخ فيها فزادت تمنعا.. فدخل عليه أبوه فوجده غاضبا حانقا فقال له: ماذا بك يا بني؟ فحكى له مشكلته مع السلحفاة، فابتسم الأب وقال له: تعال ورائي وأحضر السلحفاة معك.. ثم أشعل الأب المدفأة وجلس بجوارها هو والابن يتحدثان، ورويدا رويدا إذا بالسلحفاة تقترب منهما طالبة الدفء، فابتسم الأب لطفله وقال: يا بني.. الناس كالسلحفاة، إن أردتهم أن ينزلوا عند رأيك فأدفئهم بعطفك، ولا تــُـكرههم على فعل ما تريد بعصاك.



هذا أحد أسرار الشخصيات الساحرة المؤثرة في الحياة، التي يدفع أصحابها الناس إلى حبهم وتقديرهم ومن ثم طاعتهم.. عبر إعطائهم من دفء قلوبهم ومشاعرهم الكثير والكثير.

المثل الإنجليزي يقول:

(قد تستطيع أن تجبر الحصان على أن يذهب إلى النهر، لكنك أبدا لن تستطيع أن تجبره على أن يشرب منه).. كذلك البشر.. يمكنك إرهابهم وإخافتهم بجاه أو سطوة أو سلطان.. لكنك أبدا لن تستطيع أن تسكن في قلوبهم إلا بدفء مشاعرك وصفاء قلبك ونقاء روحك..

وها هو رسولنا الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - يخبر الطامح لكسب قلوب الناس بأهمية المشاعر والأحاسيس ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". رواه مسلم

قلبك هو المغناطيس الذي يجذب الناس.. فلا تدع بينه وبين قلوبهم حائلا وتذكر أن كل الناس كسلحفاة ذلك الطفل.. تبحث عن الدفء ... انتهى.





لو أن كل واحد منا سعى إلى اكتساب محبة الآخرين عبر التودد إليهم وبسط الوجه واليد لهم، ومعاملتهم بالطيبة والوداعة وصفاء القلب لرجع إلينا الدفء المجتمعي الذي كان سائدا على هذه الأرض طوال قرون من الزمن والذي لم يضمحل إلى درجة التلاشي إلا حين تغيرت نوايا الناس وأخلاقهم وتحولت أهدافهم وغاياتهم إلى كسب الأموال بأي طريقة بدلا من كسب القلوب وإلى تغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة، فأصبحنا نسمع ونقرأ عن جرائم لم نكن نعرفها أبدا عبر تاريخنا الطويل وإلى ما قبل عقود معدودة، بل حتى الجرائم القليلة التي كانت تقع آنذاك من القلة الخارجة عن أعراف المجتمع وتقاليده لم تكن تقع إلا نادرا



أين نحن اليوم من تلك الصورة الجميلة التي رسمها آباؤنا وأجدادنا بخليط من طيبة أخلاقهم، وصفاء قلوبهم، ونقاء سرائرهم، ووحدة صفهم، واختلاط عرق كفاحهم من أجل لقمة العيش التي كانت على الرغم من قلتها وصعوبة الحصول عليها تحظى منهم برضا النفوس، وبالشكر الخالص لله تعالى عليها، وبتوزيع جزء منها على الأهل والجيران محبة ووفاء؟!